Telegram Group Search
📌 فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (السبت ٢ ذو الحجة ١٤٤٥ هـ)

س: سئل شيخنا عن حكم الاستعانة بالكفار .. والاستعانة بالروافض .. فأجاب -حفظه الله-:

ج: "نحن نذهب إلى المسألة الأولى؛ لأن الرافضة -الشيعة- لا تستطيع القول أنهم كفار إلا عند بعضهم، أما عامّتهم فليسوا كذلك، علماؤهم ومنظّروهم نعم فيهم شرك .. وحتى العوام، لكن فيه من يفرّق بين العامي والعالم ..

أترك هذا وآتي إلى المسألة الأولى، وهي حكم الاستعانة بالكفار:
وُجد خلاف كما قلت قديما؛ ليس من عهد دخول أمريكا إلى العراق فقط، إنما قديما؛ من وقت ابن حزم وغيره (في القرن الرابع أو الخامس هجري تقريبا)، اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:

١- القول الأول: لا يجوز الاستعانة بالكفار أصلا، ويستدلّون بقوله صلى الله عليه وسلم: (ارجع فلن أستعين بمشرك)، ولمّا يطلق الشرك يراد به الشرك الأكبر -ما لم توجد قرينة تصرفه- وهو الكفر من حيث الحكم، فيستدلّون بهذا الحديث.
وأيضا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال له: (أَسلِم ثم قاتِل ..) الحديث، فأسلم وقاتل وقُتل، فقال صلى الله عليه وسلم: (عمل قليلا وأُجِر كثيرا)، فعمل عملا يسيرا حيث أسلم ثم مات مباشرة ..
فاستدلّوا به -هذا الحديث- على أنه لم يستعن به وهو في الكفر على الجهاد.

٢- القول الثاني: تجوز الاستعانة بهم في أحوال استثنائية؛ وعند الضرورة.

٣- القول الثالث: وهو الّذي رجّحه النّووي وابن حزم وغيرهما .. أنه يجوز الاستعانة بالكفار إن كان للمسلمين الشوكة، بأن يستعينوا بهم عن حذر، كمن يأتيهم بالأخبار يوثقوا هذا .. سواء جاسوس، أو معين في تقوية جنابهم .. شرط ألّا تكون له الرئاسة والقيادة، إنما يكون ضمن هؤلاء؛ لئلّا تُعطى له تلك الشوكة.

على هذا القول؛ أنه يجوز في حالة الاضطرار الاستعانة بالكفار؛ شرط أن تكون القوة للمسلمين، فيعينهم ربما بخبرته في معرفة الطرق، وأين يكون معسكر المحاربين .. فيدلّهم على هذا .. فهم يستعينون بخبرته، ومعرفته للطرق، ومعرفته لأمور كثيرة .. لا كالاستعانة بالكفار في الحرب كما يستعين بمعارفهم في إمارة الطريق أو غير ذلك، وإنما لمعرفة أعدائهم، وهي ما يُعرف بالجوسسة في العالم الحاضر.

هذا القول عندي وجيه، وذكرت هذا في كتاب الإنارة، وهو قول ابن حزم وغيره، تجده هناك على الهامش، وأتينا به كمثال للجمع أو الترجيح بين أمرين .. حديث: (ارجع فلن أستعين بمشرك)، وحديث استعانة النّبي صلى الله عليه وسلم بصفوان بن أميّة .. كيف تُوفّق بين هذا وذاك؟!
فذكرنا هذا التوفيق، وأقوال ابن حزم والنّووي، وإن شئت ترجع إلى هذا في باب طرق الجمع بين الدليلين.

الرّاجح فيها أنه يجوز الاستعانة بهم إذا كان لأهل الإسلام قوّة، واحتاجوا لبعض خبايا ودسائس العدو، وأمور استراتيجيّة -كما يسمونها- لتفادي فقدان الأرواح، وللانقضاض عليهم مباشرة، فتُعطى لهم معلومات ليجعلوا حدّا للعدو.

إذا حملنا الحديث على الصحّة فإنما استعان به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قوي، ونظرا لخبرته ومعرفته بالمكان، وبخباياه، وأين يكمن العدو، وقوتهم، وعددهم .. فهذه أمور يحتاجها الفريق المقاتل لينقضّ على عدوه.

إذن تجوز الاستعانة بالكفار عند الاضطرار والحاجة إلى هذه المعلومات، بخلاف ما نراه من دول ضعيفة وتستعين بهم، ويدخل الكافر في الأراضي ويحتلّها؛ وإن كانت صورة ليس فيها احتلال، إنما قواعد عسكرية، وتدخل بأريحية، وتضرب لها قواعد هناك؛ لضرب بلدان أخرى، وتضع ما يوجّهون به أسلحتهم في بلد مسلم .. هذا لا يجوز.

لا يجوز فتح القواعد لأهل الكفر في بلد الإسلام، ولا فتح الكنائس، ولا البِيَع -وهي معابد اليهود- هذه لا تكون في بلد الإسلام.

تجد بلدانا لا يفتحون قواعد عسكرية؛ لكن يفتحون الكنائس، وبعضهم لا هذه ولا هذه -وهؤلاء أحق- وبعضهم يفتحونها كلّها، نحن نتكلم فقط وليس لنا بم نغيّر، فتقول للإنسان أن هذا لا يجوز له، وتعرف الآيات؛ قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتى تتّبع ملّتهم}.

تظن أنه يعينك دون مقابل؟!
يأخذون الأرض، والأموال، والثروات، والبترول .. ويقولون نعينك حتى لا يأتي العدو، وهذه هي الإمبريالية العالمية، عبارة عن استعمار على صور مختلفة.
زمان كان الاستعمار بالقوة، بالحديد والنار كما يقال، فيدخل بلدا؛ ويستولي عليه، ويأخذ الثروات بالقوة .. الآن الوجوه تختلف، يُقدّم لك التكنولوجيا؛ ولا يدعك تعرفها، إنما يصنعها في بلده وأنت توفّر له كل شيء، ويقول: لأحميك يجب أن أضع قواعد عندك.

وليفسد لك يضع حقوق الإنسان، ومنها أنه يُخرج زوجتك وابنتك واختك من البيت، ومنها ترك الناس على أهوائهم؛ وما يسمونه بحرية الرأي وحرية الاعتقاد والتّعبير ..
يقول: ضع هذا في دستورك، وإلا لن أحميك، وأنت ضعيف فتضعه، وتصبح تابعا له، خاضعا لأوامره، ثم يقول: افعل هكذا، وبِعْ لهذا، ولا تَبِع لهذا .. وعندما أدخل حربا تعطيني جنودا، ويبعث جنود ذاك البلد ليحاربوا بالوكالة .. وهذا ما يحدث عموما.
من قبل كان الاحتلال بالقوة يفعل نفس الشيء، كان هناك جزائريون يحاربون مع فرنسا في فيتنام، حتى قهرهم هوشي منه في معركة ديان بيان فو، وكان هناك من حضر من الجزائر، وشمال إفريقيا، وإفريقيا الحرب العالمية الثانية، ووضعوهم في المقدمة ليُضربوا أولا.
هؤلاء يحبون لك الخير؟!
لكن تبقى مرتبطا بهم، تحبّهم، وتذهب إليهم، وتقول أنهم خير منا ..

هذا لترى رؤية بعيدة، ولا تبقى تنظر هنا فقط، هو يُخرج المرأة، ويحضر لك الفتن، ويغطّي بأمور أخرى ..

نحن والحمد لله ما عندنا قواعد في الجزائر، وكم أرادوا اتخاذها في الصحراء وغير ذلك .. لكن بعض الجيران فتحوا المجال لأعداء البشرية -اليهود الصهاينة- وهناك من فتح لهم في المشرق، وأتكلم واقعا.

لهم شوكة، واستفادوا من معلومات؛ فلا مشكلة.
أما وأنت ضعيف؛ وتضعهم هناك .. فمن زمن حرب العراق وما زالوا هناك، حتى الآن بدعوى محاربة التّيار الرافضي، وكل عام تدفع غلافا ماليا مقدرا بالمليارات، وعند فشل اقتصادهم يرفعونه هم ..

ذكر السائل كلاما في صوتية للشيخ الألباني -رحمه الله- معناه: (لو كانوا يراعون المصلحة لاستعانوا بهم لتحرير فلسطين ..) فما صحة هذا الإلزام؟!

على كل هؤلاء البلدان مصلحتهم في وطنهم ابتداء، هو إلزام صحيح من جهة كونهم قبل الاستعانة يُنظر إلى خطورتها، لأنها بلدان -التي استعانت بهم- ليست لها شوكة، جمعوهم ككلّ ولم يقدروا على اليمن؛ وبتظافر جهودهم كأن لا شيء، لأنهم أفشلوا ما يسمّى بعاصفة الحزم، وصار اليمن يهدّدهم ..

استعانوا بالكفار، وضعيف -مسلم- يستعين بقويّ -كافر- لا يجوز.
نحن قلنا: يمكن الاستعانة بهم عندما يكون قويا، ويستعين بخبرات أو معلومات، هذا ما قلناه حتى لا أُحمّل ما لم أقل.

أرى أن الشيخ الألباني -رحمه الله- في مثل هذا لا يخالف -في حالة الضرورة- بشرط أن تكون قويا، وتستعمل جاسوسا للمعلومات .. في هذا الباب نعم، أما بفتح قواعد عسكرية؛ فقضيت على نفسك، ولن يخرج من عندك .. كالجار تؤجّر له؛ ولا يخرج، وكل مرة يفتعل مشاكل، وثما يموت قاسي -كما يقولون-."
الفتوى رقم: ٩٩٣
الصنف: فتاوى متنوِّعة - ألفاظٌ في الميزان
في حكم تسمية المنتوجات
بأسماءِ مَزاراتِ الأضرحة

السؤال:
ما حكمُ تسميةِ المنتوجات التجارية بأسماءٍ لأهل القبور والأضرحة؟ وما حكمُ بيعِها واستهلاكِها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا يجوز تسميةُ المنتوجاتِ التجارية بأسماءِ أماكنِ مَزَاراتِ الأضرحة والقبورِ التي تُقْصَدُ للتبرُّك وتفريجِ الكروب وشفاءِ المرضى وتهوينِ الصِّعاب، ولا وضعُ شعاراتِ أهل الهوى والبِدَعِ عليها ومعتقَداتِهم الفاسدة، ولا ترويجُ صُوَرِ الأضرحة والقِباب؛ لِمَا فيها مِنْ تعظيمٍ للشِّرك في الأماكن والأشخاص، وتقديسِ قبور الصالحين، والسلوكِ بها مَسْلَكَ عبادةِ الأصنام في أهل الأوثان، وإغراءِ العوامِّ بِبَرَكَةِ المنتوجاتِ والسِّلَعِ بمثلِ هذه الصُّوَرِ والتسميات، وإضعافِ واجب الإنكار لمَظاهِرِ الشِّرك والحوادث، بإحلالِ المُنْكَرِ مَحَلَّ المعروف، ونحوِ ذلك مِنَ المفاسد.
لذلك فإنَّ عقيدةَ المسلم تأبى المشارَكةَ في الترويج والاستهلاك ـ ولو مِنْ أجل التسمية ـ إلَّا ما احتاج المسلمُ إليه واضطُرَّ، مع قيام الإنكار وعدمِ الرضى بذلك.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٠ ربيع الأوَّل ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ مارس ٢٠٠٩م
 
الفتوى رقم: ٧٦٧
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - العقيقة
في التسمية والذِّكْرِ عند ذَبْحِ النسيكة
السؤال:
هل هناك ذِكْرٌ خاصٌّ عند ذَبْحِ شاةِ النسيكة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالتسمية على الذبيحةِ شرطٌ في حِلِّها؛ فمَن تَرَكها عامدًا فلا تَحِلُّ ذبيحتُه لقوله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بِ‍َٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ ١١٨﴾ [الأنعام]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ ﴾ [الأنعام: ١٢١].
ويُسَنُّ لمن يُحْسِن الذبحَ أن يُذَكِّيَها بيده، ويوجِّهَهَا نحوَ القِبْلة، ويقول: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ»؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذَبَحَ كبشًا وقال: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»(١)، وفي حديثِ جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما: «ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ... «...بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ» ثُمَّ ذَبَحَ»(٢).
والمنقولُ عن السلفِ رضوانُ الله عليهم ـ أيضًا ـ: «بسم الله، اللَّهُمَّ هذا عن فلان بنِ فلان».
فإِنْ لم يتكلَّم به ونوى النسيكةَ أو العقيقة أجزأه ذلك إِنْ شاءَ اللهُ تعالى.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٠ مِنَ المحرَّم ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٨ فبراير ٢٠٠٧م
(١) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابٌ في الشاة يُضحَّى بها عن جماعةٍ (٢٨١٠)، والترمذيُّ في «الأضاحي» (١٥٢١)، وأحمد (١٤٨٣٧)، مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٣٤٩).
(٢) أخرجه أبو داود في «الضحايا» بابُ ما يُسْتَحَبُّ مِن الضحايا (٢٧٩٥) مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٤/ ٣٥١).
📌 فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الثلاثاء ٢٧ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ)

س: حكم العمل في مصنع للأحذية يضع علامة (نايك) على الأحذية ..

"دائما أقول: هناك فرق بين الصّور؛ والرّموز هذه والشعارات.

أولا: الصورة إذا كانت مُهانة؛ جازت، أي إذا كانت غير مُعظّمة، بشرط أنه ليس هو المصوّر، إنما المُقتَني، في الصورة فيه حكم التصوير، وفيه حكم الاقتناء.

تصوير ذوات الأرواح والرأس فيها حرام، (الصورة الرأس) الحديث، سواء باليد، أو النحت، أو غيرها .. فلا يجوز.

أما الّذي يشتري شيئا فيه صورة؛ وهو الاقتناء؛ في ملبوس، أو في الأرض، أو كرسي .. فاقتناؤها يختلف باختلاف كونها مُعظّمة أو لا.

• إذا كانت تُعلّق على الأبواب، والنّوافذ، والجدران، والرّفوف .. فلا تجوز، ولا يجوز اقتناؤها؛ لأنها مُعظّمة.

• إذا كان يُداس عليها، أو يُجلس عليها، أو الصّبي يأكل عليها ويُلطّخها .. فهي غير مُعظّمة، جازت.

فيُفرَق بين التّصوير وحكمه، والاقتناء، على حالتين، ومعيار ذلك التّعظيم والرّفع، فكل ما يكون مرفوعا فهو مُعظّم؛ في ستائر، أو أبواب، أو جدران، أو رفوف .. أما ما هو موضوع، ويُداس عليه؛ فهو غير مُعظّم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التّصاوير إلا رقما في ثوب، وهو المُهان، فجاز؛ والأحسن عدم اقتنائه.

ثانيا: بخلاف الرّموز والشّعارات، فالشّعار فيه شعار لأهل الكفر، ولأهل البدع، وشعارات الأفكار الهدّامة، والمبادئ المُناهضة للشّريعة، وغيرها .. كلّها لا يجوز اقتناؤها.

الصليب شعار النّصارى، سواء كان ذيله طويل -وهو الكاثوليكي- فهو شعار النّصارى، وفيه صليب أندريوس، وبروتستان، وأرثوذكس .. كلّها سواء كانت مرفوعة أو موضوعة لا تجوز، ولو كانت مُهانة.
في البخاري ما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَنقُض الصليب، أي يُزيله، بالطّمس أو غيره، حتى لا يبقى صليبا، بحسب حاله، إن كان في حلفاء ينزعُها، أو يطمسه بعجينة، أو غير ذلك .. والآن هناك وسائل لنزعه.

مثله أيضا شعار المثليّين؛ رجلين بالظَّهر، لا يمكن أن يكون في ثوبه أو في حذائه، أو في أي مكان، لأنه إن وضعه فمعناه أنه موافق لهذا الشعار، فإن كان كذلك فخطر كبير، فليُراجِع إسلامه.

هناك أيضا المطرقة والمنجل؛ شعار الشيوعيّة -الصّناعة والزّراعة- وشعارات كثيرة؛ الوطنيّة، وشعارات الخوارج، ونحو ذلك، والصوفيّة بقبّعات خضراء ملفوفة، أخذوها من القبّة الموجودة في المسجد النّبوي حيث دُفِن النّبي -صلى الله عليه وسلم- فيرمزون بها إلى محبّتهم للنّبي، والغُلُوّ فيه، حتى الوصول إلى الشّرك والبدع، مع عدم اتّباعهم له، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله} الآية، لكن هم لا يفعلون ذلك، تجدهم يتعارفون فيما بينهم بهذه القبّعة، فنقول للسّلفي لا تلبس هذا، حتّى يحييك القبوري ويفرح بك، وهذه علامة قبر النّبي -صلى الله عليه وسلم- والتّوسّل به، وهذا شرك.

هذه الشّعارات ولو كانت موجودة أسفل حذائه؛ فهي تُمثّل شعارا.

هذا الّذي ذكرته (نايك) يُمثّل إله النّصر .. كذلك شعار الصّيادلة أيضا، يسمّى إله الطّب عند الإغريق، وهذا يُنْبئ على معتقد فاسد، لأن عندهم أرباب كثر، ومنها إله الطّب، والأمواج، وغيرها .. وعندهم آلهة من ذكور وإناث، فيعتقدون هذا، ويجعلون شعارات.

الصّيادلة عندهم هذا في ثيابهم وصيدليّاتهم، وفي اللّوحات المضيئة هذه .. ولا يُبالي، المُهمّ المال، لا يقول هذا الشّعار لا يجوز، يقول لا نقصد هذا ..
حتى وإن كنت لا تقصد؛ فهو يَدلّ على ذلك، فحتّى الصّليب في قمصان اللّاعبين يدل على هذا -شعار النّصارى- وهو يحمله ويجري به .. وأنت تحمل شعار هذا ..

هذا الفعل لا يجوز، هو لا يخرج من دائرة الإسلام؛ لكن ينتبه لهذا الشعار الّذي لا يجوز، كإله النّصر هذا، وشعار الصّيادلة، وغيرها ..

الأصل أن لا يفعل ذلك، وصاحب المصنع لا يضع هذا، يضع علامة خاصّة لمصنعه، والرّزق على الله.
يضع علامة مصنعه ليعرفوا جودته، والمهمّ أن الكسب لا يلزم أن يكون هكذا، وهذه الأحذية تُعرف في كل العالم، ويأتي بآلات يخيط بها الحذاء من كل العالم، لم يزيد هذا؟!

إن كان الحذاء من جلد حقيقي، أو كانت صناعته متقنة؛ فسيُقبل عليها النّاس، ويرفع الثّمن بحسب الجودة، فالإنسان يُتقِن عمله، ويُرضي ربّه، ولا يفعل شيئا على حساب الدّين ليَربَح فيه.

أيضا هذا فيه تقليد وكذب، بمعنى تلك البضاعة لصاحب علامة نايك، لكن ليست كذلك، وضعها دون إذن، كما يقال: حشفا وسوء كيل، فجمع بين خُلقين ذميمين، خصلتين ذميمتين، الحَشَف وهو: التمر الرديء، وسوء الكيل: التطفيف في الميزان.
هذا نفس الشيء: وضع هذا الشّعار، زائد دون إذن، زائد يُريد التغرير .."
📌 فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الخميس ٢٩ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ)

س: طلّق زوجته ثلاث طلقات متفرّقات .. الأولى في غضب وكانت حائضا .. والثانية نوع ردّ فعل على عدم امتثال لأمره .. والثالثة كذلك ردّ فعل ..

ج:
"• أولا: الإنسان لمّا يلتزِم بأداء الطّلاق لا يندم لأنه التزم به، ولا يتسرّع فيه؛ إلا بعد أن يعزم عليه، وقد وجد الطّرق مسدودة .. فيُطلّق الطلاق السُنيّ؛ طلقة واحدة، وتبقى في عصمته -في بيته- حتى يأتي الكتاب أجله، فإن ردّها في عدّتها (إن كانت حاملا حتى تضع حملها، وإلّا فثلاث حيضات)؛ فيستطيع إرجاعها في هذه الفترة، فإن أرجعها تُحسب له طلقة واحدة، ولا تقع الثانيّة إلا بعد الرّجوع، سواء كانت في حيض أو طهر جامعها فيه، وهذا يسمّى الطلاق البدعيّ، آثم صاحبه، والصّحيح أنه يقع، وفيه قولان:

١- الحنابلة يقولون أنّه لا يقع، وهو قول ابن تيميّة وابن القيّم.
٢- الجمهور -مالك والشّافعي وأبو حنيفة- يقولون أنّه يقع.

ولكلّ أدلّة، جاء الحديث أن النّبي صلى الله عليه وسلم احتسبه على ابن عمر، فالحنابلة كانوا يعتبرون -الحديث- غير صحيح، لكن جاء جاء الألباني -رحمه الله- وبيّن طرق الحديث وصحّحها، فما دام الحديث صحيح، والنبي -صلى الله عليه وسلم-احتسبها على ابن عمر؛ وأمره بإرجاعها؛ واحتسب طلقة في الحيض؛ فدلّ على أنّه -أي الطلاق البدعيّ- ليس مانعا من الطلاق، ويقع فيه، ولو كانت حائضا أو في طهر مسّها فيه.

• متى تحتسب الثانية والثالثة؟!

بعد الإرجاع، فلو طلّقها عدة مرّات؛ في مجلس واحد أو في مجالس متعدّدة؛ فتحتسب طلقة واحدة؛ ما لم يرجعها، ان أرجعها -بالقول أو الفعل- فتحتسب الأولى، ثم إن طلّقها وأرجعها فتحتسب الثانية .. وهكذا.

• هل للغضب تأثير؟!

الغضب على ثلاث حالات كما قال ابن القيّم -رحمه الله-:

- الحالة الأولى: غضب شديد لا يَعِي معه ما يقول، وإذا ذُكِّر لا يتذكّر؛ فهذا لا يقع بالإجماع.

- الحالة الثانية: غضب شديد؛ لكنّه يَعِي معه ما يقول، ولمّا تلفّظ بالطّلاق كان في حسبانه أنه يريده، لأنّها تجاوزت الحدود، فغضب وأراد ذلك؛ فطلّق وارتاح، هنا يقع بالإجماع، ولا يمنع هذا الغضب من الطّلاق، فكلّ من طلّق وهو يريد الطّلاق؛ يقع طلاقه، والغضب هنا ليس حائلا عن وقوعه.

- الحالة الثالثة: اختلفوا فيها، لا يريد بقلبه الطّلاق، أو أن الأمور كانت عاديّة؛ لكن نشبت مراشقات بالكلام .. فانفجر غاضبا، وهو يَعِي ما يقول؛ وفي الأصل لا يُفكّر في الطّلاق، فدفعه الغضب لذلك، وبعد سكون أعصابه مباشرة يندم، فاختلفوا فيه، والصّحيح أنه لا يقع، وهذا قول ابن القيّم، لأن قلبه لا يريد ذلك، لكن جاء إثر هيجان القلب وثورته، فوقع منه، ندم مباشرة بعد ذلك .. لا بعد أن يحتاجها، إنما بمجرّد سكون أعصابه، ولا أن يأتي يتذرّع بالأولاد وغير ذلك ..

• الّذي أَوْكَل إليه الشّرع أمر الطّلاق لا يتلاعب به، فإن فعل فهو كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ..).

• إذا كان كما قلت؛ لم يفكّر في الطّلاق، ولم يُرِده، ثم طلّق إثر غضب، أو ربّما قالت كلمات، أو أهانته؛ فانعكس عليه ذلك غضبا؛ فطلّق، لا يقع طلاقه إذا سكنت أعصابه وندم، لا يقع؛ لأن قلبه لا يريد، ولسانه نطق مدفوعا بالغضب، فالصّحيح أنّه كان مغلقا على قلبه، وتصرّفاته لم تكن صحيحة.

• ليس كل غضب يمنع من الطّلاق، وليس الطّلاق البدعيّ مانعا من وقوعه، بل يقع على الصّحيح، وكان حريّا بالإنسان أن يكتُم غضبه، ويضع أعصابه في ثلاجة -كما يقال-.
في هذه المواقف يحاول الحفاظ على نفسه، ويتصرّف مع الغير بالأحكام الشّرعيّة الّتي نصّ عليها الكتاب والسنّة، ويتصرّف تصرُّف العقلاء المؤمنين، المتعاملين بالكتاب والسنّة على الوجه الصحيح.

أما طلّق أرجِع .. فإن أراد الطّلاق في طهر مسّها فيه؛ فينتظر حتى تدخل في الحيض؛ و له وقت يفكّر فيه، تمرّ حيضة واحدة، وبعدها طهر وحيص؛ فتحسب ثانية، ثم ثالثة؛ وتكون قد بانت منه."
الكلمة الشهرية رقم: ٨٤
في حكم صوم يوم السبت وإفراده في غير الفرض
السؤال:
ما حكم صوم يوم السبت في غير الفرض وبخاصَّةٍ إذا وافق يومًا مرغَّبًا في صيامه مثل يوم عاشوراء وعرفة، أو وافق عادةً للصائم كصيام أيَّام البِيض وصيام يومٍ بيومٍ؟ وما حكم إفراد مثل ذلك اليوم بالصيام؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمقام يقتضي النظر في المسألة المطروحة من جهتين:
الأولى: في حكم صوم يوم السبت في غير الفرض.
الثانية: في حكم صوم يوم السبت إذا وافق عادةً مرغَّبًا في صيامها.
فأمَّا الجهة الأولى: فقد اتَّفق العلماء على جواز صوم يوم السبت في الفرض، وهو خارجٌ من صور الحالات المختلف فيها، ويشمل الفرضُ: صومَ رمضان والقضاء والنذر والكفَّاراتِ بأنواعها.
ويختلفون فيما عدا صورةَ الفرض، فمذهب الحنفية والشافعية والحنابلة جوازُ صوم السبت مقترنًا بيومٍ قبله أو يومٍ بعده أو مقترنًا بهما جميعًا(١)، وكرهوه منفردًا إلاَّ مالكًا فقد أجازه منفردًا من غير كراهةٍ، فقال مالكٌ عن حديث عبد الله بن بسرٍ عن أخته الصمَّاء رضي الله عنهما الآتي: «هذا كذبٌ»(٢)، وذكر الطحاويُّ أنَّ الزهريَّ أنكره ولم يَعُدَّه من حديث أهل العلم، وقال في صيام السبت: «لا بأس به»(٣)، وهو ما يُفْهَم من كلام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيِّم رحمهم الله بناءً على تضعيف الحديث وتقديم الأحاديث الصحاح الأخرى المبيحة لصومه(٤)، وهذا بخلاف من منع صومَ يوم السبت مطلقًا منفردًا كان أو مقترنًا باستثناء صورة الفرض المجمع عليها.
وغاية ما يستدلُّ به المانعون من صوم يوم السبت مطلقًا حديث عبد الله بن بسرٍ السلميِّ عن أخته الصمَّاء رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِي مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْهُ»(٥)، مستدلِّين بأنَّ الحديث يمنع من صوم السبت في غير الفرض مفردًا أو مضافًا، لأنَّ الاستثناء دليل التناول، فهو يقتضي أنَّ النهي عنه يتناول عمومَ صور صومه باستثناء صورة الفرض كما ذكره ابن القيِّم -رحمه الله- ثمَّ قال: «ولو كان إنما يتناول صورةَ الإفراد لقال: «لا تصوموا يوم السبت إلاَّ أن تصوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» كما قال في الجمعة، فلمَّا خصَّ الصورةَ المأذون في صومها بالفرضية عُلم تناوُل النهي لِما قابلها»(٦).
هذا، وفي تقديري أنَّ مذهب الجمهور أقوى دليلاً وأصحُّ نظرًا لِما ثبت من مشروعية صورة اقتران صوم السبت بيومٍ قبله أوَّلاً كما في حديث جُويريَة بنت الحارث رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟»، قَالَتْ: «لاَ»، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: «لاَ»، قَالَ: «فَأَفْطِرِي»(٧).
ولا يخفى أنَّ اليوم الذي بعد الجمعة هو السبت، فدلَّ -ذلك- على مشروعية صوم يوم السبت تطوُّعًا مقترنًا باليوم الذي قبله، ولا يقال: إنَّ جويرية رضي الله عنها وقعت في محظورٍ فجعل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لها مخرجًا، فإنَّ هذا التعليل لا يؤيِّده حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ»(٨).
كما صحَّت مشروعيةُ وصلِ السبت باليوم الذي بعده ثانيًا، ويدلُّ عليه حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الأَيَّامِ، وَيَقُولُ: «إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ المُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ»»(٩).
كما يدلُّ على جواز وصلِ السبت بهما معًا كما تقدَّم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وما ثبت من حديث أبي ذرٍّ الغفاريِّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَصُومَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ الْبِيضَ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ»(١٠)، وحديثِ قتادة بن ملحان رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصِيَامِ لَيَالِي الْبِيضِ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: «هِيَ كَصَوْمِ الدَّهْرِ»»(١١)، وأيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: «صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ»(١٢).
ولا شكَّ في دخول السبت في هذه الأيَّام كدخوله في سائر الأيَّام، بل تجوز صورة الاجتماع جوازًا أولويًّا لأنه إذا جاز صوم السبت مقترنًا بما قبله فقط أو بما بعده فحسْبُ فيجوز باقترانه بهما معًا من بابٍ أَوْلى.
وعليه فصورة الفرض خرجت بالمخصِّص المتَّصل المتمثِّل في حديث بسرٍ عن أخته الصمَّاء الموافق للأصل في التسوية بين السبت وسائر الأيَّام في الحكم.
أمَّا صورة الإضافة أو الاقتران فخرجت بالأدلَّة المنفصلة التي خصَّصت عمومَ النهي في حديث بسرٍ المتقدِّم، فلم تبق فيه سوى صورةِ الإفراد.
غير أنَّ هذا الجمع والتوفيق بين الأحاديث السابقة معترَضٌ عليه من جهتين، قال الألبانيُّ -رحمه الله-: «إنَّ هذا الجمع جيِّدٌ لولا أمران اثنان:
الأوَّل: مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقلُه عن ابن القيِّم.
والآخر: أنَّ هناك مجالاً آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أَرَدْنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوصَ عليها في كتب الأصول ومنها:
أوَّلا: قولهم: «إِذَا تَعَارَضَ حَاظِرٌ وَمُبِيحٌ قُدِّمَ الحَاظِرُ عَلَى المُبِيحِ».
ثانيا: «إِذَا تَعَارَضَ القَوْلُ مَعَ الفِعْلِ قُدِّمَ القَوْلُ عَلَى الفِعْلِ».
ومن تأمَّل في تلك الأحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين:
الأوَّل: مِن فعلِه صلَّى الله عليه وسلَّم وصيامه.
الآخَر: مِن قوله صلَّى الله عليه وسلَّم كحديث ابن عمرٍو المتقدِّم.
ومن الظاهر البيِّن أنَّ كلاًّ منهما مبيحٌ، وحينئذٍ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديمَ الحديث على هذا النوع لأنه حاظرٌ وهي مبيحةٌ، وكذلك قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لجويرية: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا» وما في معناه مبيحٌ أيضًا، فيُقدَّم الحديثُ عليه»(١٣).
قلت: ما قرَّره الألبانيُّ -رحمه الله- فيه نظرٌ من ناحيتين:
الناحية الأولى: أنَّ إبطاله الجمعَ بين الأحاديث الصحيحة المتقدِّمة لمخالفتها الصريحة لحديث عبد الله بن بسرٍ في النهي عن صيام يوم السبت بناءً على أنَّ الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أنَّ النهي عنه يتناول كلَّ صور صومه إلاَّ الفرضَ فإنَّ هذا التعقيبَ غيرُ مسلَّمٍ من زاويتين:
الزاوية الأولى: أنَّ عموم النهي إذا كان يتناول كلَّ صور صومه باستثناء الفرض فإنَّ هذا العموم يبقى حجَّةً يتناول جميعَ جزئياته ما لم يَرِدْ دليلٌ يخصِّصه على ما تمليه القواعدُ الأصولية، وقد وردت الأدلَّةُ من الأحاديث المنفصلة تدلُّ على عدم إرادة عمومه، فوجب المصير إلى العمل بدليل التخصيص جمعًا بين الأدلَّة وتوفيقًا بين النصوص.
الزاوية الثانية: أنَّ قَصْرَ عموم النهي على بعض أفراده بالدليل المتَّصل الاستثنائيِّ إنما هو تخصيصٌ بأسلوبٍ حصريٍّ في جوازه في الفرض دون التطوُّع مطلقًا، ويتقيَّد هذا الحكم العامُّ بما إذا لم يَرِدْ دليلٌ يصرفه عن هذا المعنى، إذ الجاري في القواعد أنَّ الاستدلال بمفهوم الحصر مقيَّدةٌ حجِّيتُه بما إذا لم يَرِدْ -من منطوق الأحاديث- ما يوسِّع دائرةَ الحصر تقديمًا للمنطوق على المفهوم.
ويجدر التنبيه إلى أنَّ القواعد العامَّة لا تُلغي النصوصَ الشرعية وإنما تكمِّلها إمَّا بتخصيص عمومها أو بتوسيع مجرى حكمها، هذا إذا ما وقعت المخالفة بينهما في وجهٍ من الوجوه أو فردٍ من الأفراد، ولا يُعبأ بالقواعد إذا ما عارضت النصوصَ الشرعية من كلِّ وجهٍ، إذ معظم دلائل الفقه الإجمالية متولِّدةٌ من استقراء نصوص الكتاب والسنَّة، فلا يُعقل أن يخالف الفرعُ الأصلَ الذي تولَّد منه.
وأمَّا إسناد مخالفة الجمع بين الأحاديث للحديث إلى ابن القيِّم -رحمه الله- فقد أجاب هو بنفسه عمَّا قرَّره بما يبطل القولَ بمنع صوم يوم السبت تطوُّعًا مطلقًا ويقتضي حَصْرَ النهي في صورة الإفراد، وهو ما يتوافق مع ما تقدَّم من الجمع بين النصوص الحديثية السابقة ولا يُلغيها، قال -رحمه الله-: «وأمَّا قولكم: «إنَّ الاستثناء دليل التناول..» إلى آخره فلا ريب أنَّ الاستثناء أخرج صورةَ الفرض من عموم النهي فصورةُ الاقتران بما قبله أو بما بعده أُخرجت بالدليل الذي تقدَّم، فكلا الصورتين مُخْرَجٌ: أمَّا الفرض فبالمُخْرِج المتَّصل، وأمَّا صومه مضافًا فبالمُخْرِج المنفصل، فبقيت صورة الإفراد، واللفظُ متناوِلٌ لها ولا مُخْرِج لها من عمومه فيتعيَّن حملُه عليها»(١٤).
وقال -رحمه الله- أيضًا في موضعٍ آخر: «وقال جماعةٌ من أهل العلم: لا تعارُضَ بينه وبين حديث أمِّ سلمة، فإنَّ النهي عن صومه إنما هو عن إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود فقال: «باب النهي أن يُخصَّ يومُ السبت بالصوم»، وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد. قالوا: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلاَّ أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، وبهذا يزول الإشكال الذي ظنَّه من قال: إنَّ صومه نوعُ تعظيمٍ له، فهو موافَقةٌ لأهل الكتاب في تعظيمه وإن تضمَّن مخالفتَهم في صومه، فإنَّ التعظيم إنما يكون إذا أُفرد بالصوم، ولا ريب أنَّ الحديث لم يجئ بإفراده، وأمَّا إذا صامه مع غيره لم يكن فيه
تعظيمٌ»(١٥).
الناحية الثانية: وهي قول الألبانيِّ -رحمه الله-: «أنَّ هناك مجالاً آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أرَدْنا أن نلتزم القواعدَ العلمية المنصوصَ عليها في كتب الأصول» ثمَّ ذكر الجمعَ المتمثِّلَ في تقديم الحاظر على المبيح والقولِ على الفعل، ولا يخفى أنَّ هذا التقديمَ ليس بطريق الجمع والتوفيق بين النصوص الحديثية الذي سلكه، وإنما هو بيانٌ للقوَّة الزائدة في أحد الدليلين المتعارضين ليُعْمَل به، وهذا البيان بالتقوية وتقديمِ أحد الدليلين إنما هو طريق الترجيح لِما في أحد الدليلين من مزيَّةٍ معتبَرةٍ تجعل العملَ به أَوْلى من الآخر، والمعلومُ -أصوليًّا- في طُرُق دفع التعارض -عند الجمهور- تقديمُ الجمع على الترجيح(١٦)، لأنَّ الشارع نصَبَ أدلَّةَ الأحكام قَصْدَ العمل، والجمع والتوفيق بين الأدلَّة المتعارِضة بإعمال الدليلين خيرٌ من إسقاط أحد الدليلين والعمل بالآخر، وهو أفضل ما ينزِّهها عن النقص، بخلاف الترجيح فهو إعمالٌ للراجح وإهدارٌ للمرجوح، سواءٌ في صورة تقديم الحاظر وإهدارِ المبيح، وتقديمِ القول وإهمالِ الفعل، فكان المصير إلى الجمع والتوفيق بين النصوص الحديثية المتقدِّمة المعترَض عليه بها أَوْلى تقديمًا من جمعٍ: صورتُه -في الحقيقة- ترجيحيةٌ، فالإعمال -إذن- أَوْلى من الإهمال، والاسمُ لا يُغني عن المسمَّى.
الجهة الثانية: في حكم صوم يوم السبت إذا وافق عادةً مرغَّبًا في صيامها:
ففي هذه الجهة ينبغي التفريق بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا وافق صيامُ يومِ السبت يومًا مرغَّبًا في صيامه ولم تكن للصائم عادةٌ ساريةٌ في الصوم: فإن كان صومُه مقترِنًا بيومٍ قبله أو يومٍ بعده مِن غير إفرادِه بالصوم جاز للنصوص الحديثية المتقدِّمة، ما عدا يومَ عرفة فإنه يُكتفى بإضافة يومٍ قبله دون الذي بعده لأنه يومُ العيد المجمع على تحريم صومه(١٧)، فكانت صورة صوم العيد خارجةً بحجِّيَّة الإجماع، فلا يجوز صومُه، سواءٌ كان له صومٌ يُعتاد أم ليس له ذلك، ذلك لأنَّ الصائم في العيد مُعْرِضٌ عن ضيافة الله، والإعراض هذا لا يجوز، قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: «قال أبو جعفرٍ الطبريُّ: يُفَرَّق بين العيد والجمعة بأنَّ الإجماع منعقِدٌ على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده، بخلاف يوم الجمعة فالإجماع منعقدٌ على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده»(١٨)، وعليه يبقى صومُ يوم السبت مقترِنًا بيومٍ قبله أو بعده على ما جَرَتْ عليه النصوصُ الحديثية السالفةُ البيانِ مشروعًا ما لم يمنع دليلٌ شرعيٌّ وجهًا من وجوه الأفعال.
الحالة الثانية: إذا وافق السبتُ يومًا مرغَّبًا اعتاد صيامَه فإنه يجوز له وصلُه بغيره -كما سبق- ويجوز له إفرادُه، ويدلُّ على جواز إفراد يومِ السبت بالصوم ما ثبت عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»، قَالَ: «أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا»(١٩)، وعنه -أيضًا- قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى»(٢٠)، ولا يخفى أنَّ المقام مقامُ بيانٍ، فلو كان غيرَ جائزٍ صومُ السبت لبيَّنه صلَّى الله عليه وسلَّم، لأنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، بل جاء -في أحاديثَ صحيحةٍ- ما يدلُّ على أنَّ من له عادةٌ فله أن يستمرَّ في صيامها ولو وافق يومًا منهيًّا عن إفراد صيامه لتبقى محافظتُه على تلك العبادة وتدومَ ملازمتُه للخير حتى لا ينقطع، وقد ثبت صومُ يوم الجمعة منفردًا إذا وافق عادةً كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ»(٢١)، قال النوويُّ -رحمه الله-: «يُكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلاَّ أن يوافِقَ عادةً له، فإنْ وَصَلَه بيومٍ قبله أو بعده أو وافق عادةً له بأنْ نَذَرَ أن يصومَ يومَ شفاءِ مريضِه أبدًا فوافق يومَ الجمعة لم يُكره لهذه الأحاديث»(٢٢)، وكذلك ما ثبت مِن النهي عن تقدُّم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين، ومنه النهي عن صوم يوم الشكِّ، وهذا النهي خُصَّ بالاستثناء الوارد فيمن وافق صومًا معتادًا(٢٣) في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ»(٢٤).
فهذه الأحاديث تدلُّ على استحباب صوم يومٍ منفردٍ ولو وافق يومًا منهيًّا عنه، ولا يخرج منها يومُ السبت -في جواز إفراده- عن هذا المعنى، ويؤكِّد ذلك حديثُ أمِّ سلمة رضي الله عنها: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الأَيَّامِ،
وَيَقُولُ: «إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ المُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ»»(٢٥)، قال الحافظ ابنُ حجرٍ -رحمه الله-: «وأشار بقوله: «يَوْمَا عِيدٍ» إلى أنَّ يوم السبت عيدٌ عند اليهود والأحدَ عيدٌ عند النصارى، وأيَّامُ العيد لا تصام فخالَفَهم بصيامها، ويستفاد من هذا أنَّ الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيِّدًا، بل الأَوْلى في المحافظة على ذلك يومُ الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأمَّا السبت والأحد فالأَوْلى أن يصاما معًا وفرادى امتثالاً لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب»(٢٦)، وهذا الانفراد في الصوم بيَّنه الصنعانيُّ -رحمه الله- بقوله: «وحديث الكتاب دالٌّ على استحباب صوم السبت والأحد مخالفةً لأهل الكتاب، وظاهرُه صوم كلٍّ على الانفراد والاجتماع»(٢٧).
فالحاصل -إذن- أنه يجوز صيامُ يوم السبت فرضًا بالدليل المخصِّص المتَّصل المتمثِّل في الاستثناء وتطوُّعًا باقترانه بالجمعة أو الأحد بالدليل المخصِّص المنفصل ما لم يكن اليوم الذي يلي صيامَه هو يومَ العيد كما هو الشأن في صوم عرفة فيُمنع صومُ العيد بدليل الإجماع، ويجوز صوم السبت منفردًا إذا وافق عادةً بدون كراهةٍ، ويبقى عمومُ النهي عن صيام يوم السبت في حديث عبد الله بن بسرٍ عن أخته الصمَّاء رضي الله عنهما محصورًا في صورةٍ واحدةٍ وهي إفراد السبت بالصوم لمن لا عادة له بالصيام، ويخرج من النهي بإضافة يومٍ قبله أو بعده -على ما تقدَّم بيانه-، ذلك لأنَّ المعتمد -أصوليًّا- جوازُ تخصيص عموم النصِّ بالمخصِّص المتَّصل والمنفصل، وهذه المخصِّصات للعموم هي جمعٌ وتوفيقٌ بين النصوص التي ظاهرُها التعارض، وإعمال الجمع أَوْلى من النسخ الاحتماليِّ والترجيح -كما هي طريقة الجمهور-، ويبقى العموم حجَّةً بعد التخصيص في صورةٍ واحدةٍ وهي لمن لا عادة له في صيام اليوم المرغَّب في صومه، عملاً بجواز تخصيص العموم إلى أن يبقى فردًا واحدًا على أصحِّ أقوال الأصوليين.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائـر: ٠٧ جمادى الأولى ١٤٣٤ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ مـــارس ٢٠١٣م

(١) انظر: «تحفة الفقهاء» للسمرقندي (١/ ٥٢٤)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١٩)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ١١٦)، «الفتاوى الكبرى» للهيتمي (٢/ ٧٠).
(٢) انظر: «سنن أبي داود» (٢/ ٨٠٧).
(٣) انظر: «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٢/ ٨١).
(٤) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/ ٣٦٣)، و«شرح سنن أبي داود» لابن القيِّم (٧/ ٦٩).
(٥) أخرجه أحمد (٢٧٠٧٥)، وأبو داود في «الصوم» باب النَّهي أن يخصَّ يوم السَّبت بصوم (٢٤٢١)، والترمذي في «أبواب الصوم» باب ما جاء في كراهية صومِ يومِ السبت (٧٤٤).
والحديث قد أُعلَّ بالاضطراب، وقد بيَّن الحافظ ابن حجرٍ -رحمه الله- وجوهَ الاضطراب ثمَّ قال في «التلخيص الحبير» (٢/ ٢١٦): «لكنَّ هذا التلوُّن في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتِّحاد المخرج يُوَهِّن راويَه وينبئ بقلَّة ضبطه، إلاَّ أن يكون من الحفَّاظ المكثرين المعروفين بجمع طُرُق الحديث، فلا يكون ذلك دالاًّ على قلَّة ضبطه».
قلت: وهذا الاضطراب غير قادحٍ لمجيء الحديث من طُرُقٍ أخرى سالمةٍ منه، قد بيَّنها الشيخ الألبانيُّ -رحمه الله- في «إرواء الغليل» (٤/ ١١٨-١٢٥) أتمَّ بيانٍ لا يَدَعُ مجالاً للشكِّ في صحَّته.
(٦) «شرح سنن أبي داود» لابن القيِّم (٧/ ٦٩).
(٧) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم يوم الجمعة (١٩٨٦).
(٨) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم يوم الجمعة (١٩٨٥).
(٩) أخرجه أحمد (٢٦٧٥٠)، والحاكم (١٥٩٣)، وابن حبَّان (٣٦٤٦)، وابن خزيمة (٢١٦٧)، والبيهقي (٨٤٩٧)، قال ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (١/ ٥٠٩): «وصحَّحه بعضُ الحفَّاظ».
قلت: وممَّن صحَّح الحديثَ الحاكمُ ووافقه الذهبيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان وابن خزيمة [انظر: «نيل الأوطار» للشوكاني (٥/ ٣٣٩)]، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٤٨٠٣) ثمَّ ترجَّح عنده ضعفُ إسناده كما بيَّنه في «السلسلة الضعيفة» (٣/ ٢١٩) وفي «الإرواء» (٤/ ١٢٥)، ثمَّ قال على هامش «الإرواء»: «وقد حسَّنتُه فى تعليقى على «صحيح ابن خزيمة» (٢١٦٨) ولعلَّه أقرب فيعاد النظر».
قال الأرناؤوطان في تعليقهما على الحديث في «زاد المعاد» لابن القيِّم (٢/ ٧٨): «وسنده حسنٌ لأنَّ عبد الله بن عمر وأباه قد وثَّقهما ابن حبَّان وروى عنهما أكثرُ من واحدٍ».
(١٠) أخرجه النسائي في «الصيام» باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر في صيام ثلاثة أيَّامٍ من الشهر (٢٤٢٢)، والترمذي بلفظٍ قريبٍ منه في «أبواب الصوم» باب ما جاء في صومِ ثلاثة أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ (٧٦١)، والحديث صحَّحه ابن الملقِّن في «البدر المنير» (٥/ ٧٥٣)، وحسَّنه الألباني في «الإرواء» (٩٤٧).
(١١) أخرجه أحمد (٢٠٣١٦)، وحسَّنه محقِّقو طبعة الرسالة للمسند (٣٣/ ٤٢٨)، وأخرج البخاري (٣٤١٩) عن عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: .. «صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ، أَوْ كَصَوْمِ الدَّهْرِ».
(١٢) أخرجه البخاري في «التهجُّد» باب صلاة الضُّحى في الحضر (١١٧٨)، ومسلم في «صلاة المسافرين وقصرها» (٧٢١).
(١٣) «تمام المنَّة» للألباني (٤٠٧).
(١٤) «شرح سنن أبي داود» لابن القيِّم (٧/ ٧٠).
(١٥) «زاد المعاد» لابن القيِّم (٢/ ٧٩).
(١٦) مسلك الأحناف في دفع التعارض بين الأدلَّة بالنسخ أوَّلاً، فإن تعذَّر فبالترجيح، فإن تعذَّر النسخُ والترجيح فالجمع، فإن تعذَّرت جميع الطرق فالتساقط، قال ابن عبد الشكور -رحمه الله- في «مسلَّم الثبوت» مع شرحه «فواتح الرحموت» (٢/ ١٨٩-١٩٢): «وحكمه النسخ إن عُلم المتأخِّر، وإلاَّ فالترجيح إن أمكن، وإلاَّ فالجمع بقدر الإمكان، وإن لم يمكن تساقطا، فالمصير في الحادثة إلى ما دونهما رتبةً إن وُجد، وإلاَّ فالعمل بالأصل».
(١٧) انظر تقرير الإجماع على تحريم صوم يومي العيد: الفطر والأضحى بكلِّ حالٍ، سواءٌ مِن نذرٍ أو كفَّارةٍ أو تطوُّعٍ أو قضاءٍ أو تمتُّعٍ ونحو ذلك في: «المغني» لابن قدامة (٣/ ١٦٣)، و«شرح مسلم» للنووي (٨/ ١٥)، و«الإجماع» لابن هبيرة (٨١)، و«فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٣٩).
(١٨) «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٢٣٤)، وانظر «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٤٧).
(١٩) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم يومٍ وإفطار يومٍ (١٩٧٨).
(٢٠) أخرجه البخاري في «الصوم» باب صوم يومٍ وإفطار يومٍ (١٩٧٩)، ومسلم في «الصيام» (١١٥٩).
(٢١) أخرجه مسلم في «الصيام» (١١٤٤).
(٢٢) «شرح مسلم» للنووي (٨/ ١٩).
(٢٣) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٤٠٠).
(٢٤) أخرجه البخاري في «الصوم» باب لا يتقدَّم رمضان بصوم يومٍ ولا يومين (١٩١٤)، ومسلم في «الصيام» (١٠٨٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٥) سبق تخريجه.
(٢٦) «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٦٢).
(٢٧) «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٥٠).
 
[ مسألة أحكام التسمية في الذبيحة ! ]


لـلعلاّمـة فركوس -حفظه الله ﷻ-

•) شيخنا أبي عبد المعز فركوس -حفظه الله ﷻ- :

[ ذكر الشيخ أن التسمية في الذبيحة إختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال :

1) القول الأول:
التسمية شرط : فإن تركها عمدا أو تركها سهوا لا تصحّ ذبيحته.

2) القول الثاني:
التسمية مستحبة : إن تركها عمدا أو تركها سهوا فإنها تصحّ ذبيحته.

3) القول الثالث:
التسمية واجبة : إن تركها عمدا فلا تصحّ ذبيحته و إن تركها سهوا تصحّ ذبيحته = و هذا هو القول الصحيح من أقوال أهل العلم.

فالتسمية في عموم العبادات بحسب موضعها فتارة تكون شرط و تارة تكون واجبة و تارة تكون مستحبة. ]

ك . أيمن السلفي المالكي
28\\444 هـ
22\2\022 ن

الفتوى رقم: ٨٨٠
الصنف: فتاوى الصلاة - العيد
في حكم التكبير الجماعيِّ أيَّامَ العيد
السؤال:
ما حكم التكبير الجماعيِّ بصوتٍ واحدٍ يومَ العيد وأيَّامَ التشريق؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالتكبير الجماعيُّ والاجتماعُ عليه بصوتٍ واحدٍ لم يُنْقَلْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم ما يقضي بمشروعيته، بل كُلُّ ذِكْرٍ لا يُشْرَعُ الاجتماعُ عليه بصوتٍ واحدٍ، سواءٌ كان تهليلًا أو تسبيحًا أو تحميدًا أو تلبيةً أو دعاءً، شُرِع رفعُ الصوت فيه أم لم يُشْرَع، فكان الذِّكرُ المنفردُ هو المشروعَ برفع الصوت أو بخفضه، ولا تعلُّقَ له بالغير، وقد نُقِل ـ في حَجَّة الوداع ـ أنَّ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان منهم المكبِّرُ ومنهم المهلِّلُ ومنهم الملبِّي(١)، و«الأَصْلُ فِي العِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ وَأَنْ لَا يُعْبَدَ اللهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ»، والمعلومُ في الاجتماع على صوتٍ واحدٍ أنه مِنْ عبادة النصارى في قراءتهم الإنجيلَ جماعةً في كنائسهم، ولا يُعْلَمُ ذلك في شرعِنا. أمَّا الآثارُ الثابتةُ عن بعض السلف كابنِ عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكبِّرَانِ، وَيُكبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا»(٢)، وما روى ابنُ أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ عن الزهريِّ ـ رحمه الله ـ قال: «كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ فِي العِيدِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا المُصَلَّى وَحَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا»(٣)، فإنَّ المراد منها أنهم يقتدون به في التكبير وفي صفته، لا أنهم يجتمعون على التكبير بصوتٍ واحدٍ، كصلاة المأمومين مع إمامهم، فإنهم يُكبِّرون بتكبيره في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، [وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا]، ..»(٤)، ولا شكَّ أنَّ المأموم بعد تكبيرة الإمام لا يجتمع مع غيره مِنَ المأمومين في تكبيرات الإحرام ولا الانتقال؛ لذلك ينبغي الاقتداءُ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والاستنانُ بسُنَّته وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين، وصحابتِه المَرْضيِّين السالكين هديَه، والمتَّبِعين طريقتَه في الأذكار والأدعية وغيرهما، والشرُّ كُلُّ الشرِّ في مخالفته والابتداع في أمره، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٥)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(٦)، وقال تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣﴾ [النور].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ أفريل ٢٠٠٨م
 
(١) انظر الحديثَ المُتَّفَقَ عليه الذي أخرجه البخاريُّ في «العيدين» باب التكبير أيَّامَ مِنًى وإذا غَدَا إلى عَرَفةَ (٩٧٠)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٨٥)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(٢) علَّقه البخاريُّ بصيغة الجزم في «العيدين» بابُ فضلِ العمل في أيَّام التشريق (٢/ ٤٥٧). وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٦٥١).
(٣) أخرجه ابنُ أبي شيبة (٥٦٢٩). وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ١٢١).
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ إيجابِ التكبير وافتتاحِ الصلاة (٧٣٤)، ومسلمٌ في «الصلاة» (٤١٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه دون الفقرة الأخيرة، فقَدْ ورَدَتْ عند أبي داود (٦٠٤)، والنسائيِّ (٩٢١)، وابنِ ماجه (٨٤٦)، وصحَّحها الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٣٥٨). وقد ورَدَتْ في حديثٍ آخَرَ عن أبي موسى رضي الله عنه رواه مسلمٌ في «الصلاة» (٤٠٤).
(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلح» باب: إذا اصطلحوا على صُلْحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردودٌ (٢٦٩٧)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وفي لفظٍ لمسلمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
(٦) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وصحَّحه ابنُ حجرٍ في «موافقة الخُبر الخَبَر» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (٩٣٧، ٢٧٣٥).
الفتوى رقم: ٨٧٧
الصنف: فتاوى الصلاة - العيد
في صيغة التكبير يومَ العيد وأيَّامَ التشريق
السؤال:
ما هي الصيغة الصحيحة للتكبير يومَ العيد وأيَّامَ التشريق؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلم يَصِحَّ في صيغة التكبير حديثٌ مرفوعٌ، وأصحُّ ما وَرَدَ فيها ما أخرجه عبدُ الرزَّاق بسندٍ صحيحٍ عن سلمان رضي الله عنه قال: «كَبِّرُوا اللهَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا»(١)، ونُقِلَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه كان يقول: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا»(٢)، قال الحافظ ـ رحمه الله ـ: «وقد أُحْدِث في هذا الزمانِ زيادةٌ في ذلك لا أصلَ لها»(٣)، وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه صيغةٌ أخرى صحيحةٌ وهي: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ»(٤).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٢٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٣ أفريل ٢٠٠٨م
 
(١) أخرجه البيهقيُّ في «فضائل الأوقات» (٢٢٧) مِنْ طريقِ عبد الرزَّاق. وقال ابنُ حجرٍ في «الفتح» (٢/ ٤٦٢): «أخرجه عبد الرزَّاق بسندٍ صحيحٍ».
(٢) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٦٢٨٠). وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ١٢٦).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ٤٦٢).
(٤) أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير» (٩٥٣٨)، وابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٥٦٣٣). وضعَّف الألبانيُّ في «الإرواء» (٦٥٤) رَفْعَ الصيغة إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حديثِ جابرٍ رضي الله عنه، وصحَّح إسنادَ ابنِ أبي شيبة إلى ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه موقوفًا.
في حكمِ القَاتلِ العَمدِ لِمُتلبِّسٍ بجريمةِ الزِّنا | الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1376
الفتوى رقم: ٨٠٣
الصنف: فتاوى الأشربة والأطعمة - الأضحية
في حكمِ جِلْدِ النسيكة وسواقِطِها
السؤال:
ما حُكْمُ جِلْدِ النسيكة؟ وما حُكْمُ سواقطها؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلحمُ النسيكةِ وجِلْدُها حُكْمُه حكمُ الضحايا: يُؤْكَلُ مِن لَحْمِها ويُتصدَّقُ به، والأفضلُ عند العلماء أن يُؤْكَلَ الثُّلُثُ ويُتصدَّقَ بالثلث ويُدَّخَرَ الثلثُ، ولا يُباعُ شيءٌ منها: لا لَحْمُها ولا جِلْدُها ولا سواقطُها، وإنَّما يجعله للهِ ولا يبيعه، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ عليًّا أَنْ يتصدَّق بالجِلال والجلود(١)، ويُسَنُّ له أَنْ يطبخها(٢) ليأكلَ منها أهلُ البيتِ وغيرُهم في بيوتهم.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٩ ربيع الأوَّل ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ مارس ٢٠٠٧م
 
(١)     مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ الجِلالِ للبُدْن (١٧٠٧)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٧)، مِن حديث عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.
والجِلال: هي ما يُوضَعُ على ظهرِ الدابَّةِ مِن كساءٍ ونحوه، [انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٩٩)].
(٢)     انظر الفتوى رقم: (٥٨٠) الموسومة ﺑ: «في أفضلية طبخِ لحمِ العقيقة» على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ.
الفتوى رقم: ٩٤
الصنف: فتاوى المعاملات المالية - البيوع
في حكم بيعِ جلود الأضاحي لمصلحة المسجد
السؤال:
نحن لجنةٌ دينيةٌ لبناء مسجدٍ بمدينة س. بلعباس، قُمْنَا بمُناسَبةِ عيد الأضحى المُبارَك بجمعِ جلودِ الأضاحي مِن سُكَّان الحيِّ، وكنَّا قد أَعْلَمْناهم مُسبَّقًا أنَّنا سنقوم بهذه العمليةِ طالبين منهم التصدُّقَ بالجلود لصالِحِ المسجد، حيث تقوم اللجنةُ بجَمْعِها وبيعِها، واستعمالِ هذه الأموالِ في بناءِ المسجد، وكان الأمرُ كذلك.
فنحن نسألُ سماحةَ الشيخِ الفاضل: هل هذا الفعلُ فيه مُخالَفةٌ شرعية؟ فبيِّنوا لنا، جزاكم الله كُلَّ خيرٍ.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فحكمُ هذا التصرُّف يرجع تأسيسُه ـ مِن حيث الجوازُ والمنعُ ـ على حكمِ بيعِ جِلْدِ الأضحية، والفُقَهاءُ في حُكْمِها مُخْتَلِفون على أقوالٍ، أَظْهَرُها عدَمُ جوازِ بيعِ شيءٍ مِن الأضحية: لا جِلْدٍ ولا غيرِه، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ في المشهور وأبي يوسف صاحِبِ أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، سواءٌ كان بالأصالة أو النيابة أو الوكالة عن صاحِبِ الأضحية؛ لِما ثَبَتَ مِن حديثِ عليٍّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا(١)، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا»»(٢)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَتِهِ فَلَا أُضْحِيَةَ لَهُ»(٣)، وعليه فلا يجوز التصرُّفُ فيها إلَّا بما أباحَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الانتفاعُ بجِلْدها أو التصدُّقُ به.
وإذا تَبيَّنَ أنَّ هذا التصرُّفَ لا يجوز أصالةً فلا تجوز النيابةُ في البيع عن صاحِبِ الأضحية أيضًا، أمَّا التصدُّقُ بجلود الأضحية للمساجد فإنما هو مِن جهةِ الوقف لا التمليك؛ ولذلك يَمْتَنِعُ مع الوقفِ البيعُ والهِبَةُ، والغايةُ لا تُبرِّرُ الوسيلةَ؛ فينبغي أَنْ تُسْتَصْحَبَ طهارةُ المساجد في التعمير والبناء، وهي إحدى الطهارتين أُخْتُ الطهارةِ الإيمانية، بل هي وليدةٌ عنها.
وأمَّا بيعُ الفقير أو المسكينِ لجلود الأضحية بعد التصدُّق بها عليه فجائزٌ لتَمَلُّكِها أوَّلًا، ولانتفاءِ عِلَّةِ النهي عن البيع في حَقِّه ثانيًا؛ فجازَ له ما لم يَجُزْ لمن تَعيَّنَتِ الأضحيةُ عليه؛ فإنَّ ما أخرجه المُضحِّي لله لا يجوز له الرجوعُ فيه.
وحريٌّ بالتنبيه: أنَّه ينبغي السؤالُ عن حُكْمِ الفعل قبل الشروع فيه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣؛ الأنبياء: ٧]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»(٤).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ ربيع الثاني ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ جوان ٢٠٠٢م
(١) الأَجِلَّةُ: جمعُ الجِلال، وهي جمعُ الجُلِّ والجَلِّ، وهو: ما تُلْبَسُهُ الدابَّةُ لتُصَانَ به مِن ثيابٍ ونحوِها، [وانظر: «الصحاح للجوهري» (٤/ ١٦٥٨)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (٩٧٨)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٩٩)].
(٢) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: لَا يعطَى الجزَّارُ مِن الهدي شيئًا (١٧١٦)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٧)، مِن حديث عليٍّ رضي الله عنه. وانظر: «الإرواء» (١١٦١).
(٣) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٢٢)، والبيهقيُّ (١٩٢٣٣)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦١١٨).
(٤) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في المجروح يَتيمَّمُ (٣٣٦) مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٣٦٤) وصحَّحه في «صحيح الجامع» (٤٣٦٢).
2024/06/17 00:17:03
Back to Top
HTML Embed Code: